سورة النازعات - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


قال ابن مسعود وابن عباس: {النازعات}، الملائكة تنزع نفوس بني آدم، و{غرقاً} على هذا القول إما أن يكون مصدر بمعنى الإغراق والمبالغة في الفعل، وإما أن يكون كما قال علي وابن عباس: تغرق نفوس الكفرة في نار جهنم، وقال السدي وجماعة: {النازعات}: النفوس تنزع بالموت إلى ربها، و{غرقاً} هنا بمعنى الإغراق أي تغرق في الصدر، وقال عطاء فيما روي عنه: {النازعات} الجماعات النازعات بالقسي، و{غرقاً} بمعنى الإغراق، وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش {النازعات}: النجوم لأنها تنزع من أفق إلى أفق، وقال قتادة: {النازعات}، النفوس التي تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها ولها نزاع عند الموت، وقال مجاهد: {النازعات} المنايا لأنها تنزع نفوس الحيوان، وقال عطاء وعكرمةة: {النازعات} القسي أنفسها لأنها تنزع بالسهام واختلف المتأولون في {الناشطات}، فقال ابن عباس ومجاهد: هي الملائكة لأنها تنشط النفوس عند الموت، أي تحلها كحل العقال وتنشط بأمر الله أي حيث كان، وقال مجاهد: {النشاطات}: المنايا، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والأخفش والحسن: {الناشطات} النجوم لأنها تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب وتسير بسرعة، ومن ذلك قيل البقر الوحش النواشط لأنهن يذهبن بسرعة من موضع إلى آخر، وقال عطاء: {الناشطات} في الآية: البقرة الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر، ومن هذا المعنى قول الشاعر [همان بن قحافة]: [الرجز]
أرى همومي تنشط المناشطا *** الشام بي طوراً وطوراً واسطا
وكأن هذه اللفظة في هذا التأويل مأخوذة من النشاط، وقال عطاء أيضاً وعكرمة: {الناشطات} الأوهان. ويقال: نشطت البعير والإنسان إذا ربطته ونشطته: إذا حللته، وحكاه الفراء وخولف فيه ومنه الحديث «كأنما أنشط من عقال»، وقال ابن عباس أيضاً: {الناشطات} النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج، والسبح: العوم في الماء، وقد يستعمل مجازاً في خرق الهواء والتقلب فيه، واختلف في {السابحات} في الآية، فقال قتادة والحسن: هي النجوم لأنها تسبح في فلك، وقال مجاهد وعلي رضي الله عنه: هي الملائكة لأنها تتصرف في الآفاق بأمر الله تجيء وتذهب، وقال أبو روق: {السابحات} الشمي والقمر والليل والنهار، وقال بعض المتأولين: {السابحات}: السماوات، لأنها كالعائمة في الهواء، وقال عطاء وجماعة: {السابحات}: الخيل، ويقال للفرس: سابح، وقال آخرون: {السابحات} الحيتان، دواب البحر فما دونها وذلك من عظيم المخلوقات، فروي أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر، وقال عطاء أيضاً: {السابحات}: السفن، وقال مجاهد أيضاً: {السابحات}: المنايا تسبح في نفوس الحيوان، واختلف الناس في {السابقات}، فقال مجاهد: هي الملائكة، وقيل الرياح وقال عطاء هي الخيل، وقيل: النجوم، وقيل المنايا تسبق الآمال، وقال الشاعر [عدي بن زيد]: [الخفيف]
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ***
وأما {المدبرات}، فلا أحفظ خلافاً أنها الملائكة ومعناه أنها تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فياه كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات، وقال ابن زيد: {الراجفة}: الأرض تهتز بأهلها لنفخة الصور الأولى، وقيل: {الراجفة}: النفخة نفسها، و{الرادفة}: النفخة الأخرى، ويروى بينهما أربعين سنة، وقال عطاء: الراجفة: القيامة نفسها، و{الرادفة}: البعث، وقال ابن زيد: {الراجفة}: الموت، و{الرادفة}: الساعة، وقال أبي بن كعب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال: «يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه»، ثم أخبر تعالى عن قلوب تجف ذلك اليوم، أي ترتعد خوفاً وفرقاً من العذاب، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق، ومنه قول الشاعر قيس بن الحطيم: [المنسرحُ]
إن بني جحجما وأسرتهم *** أكبادنا من ورائهم تجف
ورفع {قلوب} بالابتداء وجاز ذلك وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله: {يومئذ}، واختلف الناس في جواب القسم أي هو، فقال الفراء والزجاج: هو محذوف دل الظاهر عليه تقديره: لتبعثن أو لتعاقبن يوم القيامة، وقال بعض النحاة: هو في قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} [النازعات: 26]، وهذا ضعيف لبعد القول ولأن المعنى هالك يستحق ابن، وقال آخرون: هو في قوله {يوم} على تقدير حذف اللام كأنه قال ليوم، وقال آخرون: وهو موجود في جملة قوله تعالى: {يوم ترجف الراجفة قلوب يومئذ راجفة} كأنه قال: لتجفن قلوب يوم كذا، ولما دلت على أصحابها ذكر بعد ذلك أبصارها، وخشوعها ذلها، وما يظهر فيها من الهم بالحال، وقوله تعالى: {يقولون} هي حكاية حالهم في الدنيا معناه: هم الذين يقولون وقولهم {أئنا} هو على جهة الاستخفاف والعجب والتكذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق وابن يعمر: {أإنا} بهمزتين ومدة على الاستفهام، وقرأ جمهور القراء: {أئنا} باستفهام وهمزة واحدة، و{الحافرة} لفظة توقعها العرب على أول أمر رجع إليه من آخره، يقال: عاد فلان في الحافرة، إذا ارتكس في حال من الأحوال ومنه قول الشاعر: [الوافر]
أحافرة على صلع وشيب *** معاذ الله من سفه وعار
والمعنى: {أئنا لمردودون} إلى الحياة بعد مفارقتها بالموت، وقال مجاهد والخليل: {الحافرة} الأرض فاعلة بمعنى محفورة، وقيل بل هو على النسب أي ذات حفر، والمراد: القبور لأنها حفرت للموتى، فالمعنى {أئنا لمردودون} أحياء في قبورنا، وقال زيد بن أسلم: {الحافرة} في النار، وقرأ أبو حيوة {في الحفرة} بغير ألف، فقيل: هو بمعنى {الحافرة}، وقيل هي الأرض المنتنة المتغيرة بأجساد موتاها من قولهم حفرت أسنانه إذا تأكلت وتغير ريحها، والناخرة: المصوتة بالريح المجوفة، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
وأخليتها من مخها فكأنها *** قوارير في أجوافها الريح تنخر
ويروى تصفر وناخرة، هي قراءة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عباس وابن الزبير ومسروق ومجاهد وجماعة سواهم، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والحسن والأعرج وأبو رجاء وجعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن وابن جبير وأهل مكة وشبل وقتادة وأيوب والنخعي: نخرة، دون ألف بعد النون، ومعناه: بالية متعفنة قد صارت رميماً، يقال: نخر العود والعظم: إذ بلي وصار يتفتت، وحكي عن أبي عبيدة وأبي حاتم والفراء وغيرهم أن الناخرة والنخرة بمعنى واحد كطامع وطمع وحاذر وحذر، والأكثر من الناس على ما قدمناه. قال أبو عمرو بن العلاء: الناخرة التي لم يتنخر بعد والنخرة التي قد بليت.


ذكر الله تعالى عنهم قولهم: {تلك إذاً كرة خاسرة} وذلك أنهم لتكذيبهم بالبعث، وإنكارهم، قالوا: لو كان هذا حقاً، لكانت كرتنا ورجعتنا خاسرة وذلك لهم إذ هي النار، وقال الحسن: {خاسرة} معناه: كاذبة أي ليست بكائنة، وروي أن بعض صناديد مكة قال ذلك، ثم أخبر الله تعالى عن حال القيامة، فقال {فإنما هي زجرة واحدة}، أي نفخة في الصور فإذا الناس قد نشروا وصاروا أحياء على وجه الأرض، وفي قراءة عبد الله {فإنما هي رقة واحدة} و{الساهرة}: وجه الأرض، ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الوافر]
وفيها لحم ساهرة وبحر *** وما فاهوا به فلهم مقيم
وقال وهب بن منبه: {الساهرة}: جبل بالشام يمده الله لحشر الناس يوم القيامة كيف شاء، وقال أبو العالية وسفيان: {الساهرة}: أرض قريبة من بيت المقدس، وقال قتادة: {الساهرة}: جهنم، لأنه لا نوم لمن فيها وقال ابن عباس: {الساهرة}: أرض مكة، وقال الزهري: {الساهرة}: الأرض كلها، ثم وقف تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على جهة جمع النفس لتلقي الحديث، فقال: {هل أتاك حديث موسى} الآية، والوادي المقدس: واد بالشام، قال منذر بن سعيد: هو بين المدينة ومصر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش وابن إسحاق: {طِوىً} بكسر الطاء منونة، ورويت عن عاصم، وقرأ الجمهور: {طُوى} بضمها، وأجرى بعض القراء {طوى} وترك إجراءه ابن كثير وأبو عمرو ونافع وجماعة، وقد تقدم شرح اللفظة في سورة طه، وقوله تعالى: {اذهب إلى فرعون} تفسير النداء الذي ناداه به، ويحتمل أن يكون المعنى قال: {اذهب} وفي هذه الألفاظ استدعاء حسن، وذلك أنه أمر أن يقول به: {هل لك أن تزكى}، وهذا قول جواب كل عاقل عنده نعم أريد أن أتزكى، والتزكي هو التطهر من النقائص، والتلبس بالفضائل، وفسر بعضهم: {تزكى} بتسلم وفسرها بقول: لا إله إلا الله، وهذا تخصيص وما ذكرناه يعم جميع هذا، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بخلاف عنه: {تزّكى} بشد الزاي، وقرأ الباقون {تزَكى} بتخفيف الزاي، ثم أمر موسى أن يفسر له التزكي الذي دعاه إليه بقوله: {وأهديك إلى ربك فتخشى}، والعلم تابع للهدى والخشية تابعة للعلم، {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]، و{الآية الكبرى}: العصا واليد، قاله مجاهد وغيره، وهما نصب موسى للتحدي فوقعت المعارضة في الواحدة وانقلب فيها فريق الباطل، وقال بعض المفسرين: {أدبر يسعى} حقيقة قام من موضعه مولياً فاراً بنفسه عن مجالسة موسى عليه السلام، وقال مجاهد: {أدبر} كناية عن إعراضه عن الإيمان، و{يسعى} معناه: يتحذم حل أمر موسى عليه السلام والرد في وجه شرعه، وقوله {فحشر} معناه: جمع أهل مملكته ثم ناداهم بقوله: {أنا ربكم الأعلى} وروي عن ابن عباس أنه قال: المعنى: فنادى فحشر، وقوله: {أنا ربكم الأعلى} نهاية في المخرقة ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم.


{نكال} منصور على المصدر، قال قوم {الآخرة} قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]، و{الأولى} قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]، وروي أنه مكث بعد قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] أربعين سنة، وقيل هذه المدة بين الكلمتين، وقال ابن عباس: {الأولى} قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]، و{الآخرة} قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] وقال ابن زيد: {الأولى} الدنيا، و{الآخرة}: الدار الآخرة، أي أخذه الله بعذاب جهنم وبالغرق في الدنيا، وقال مجاهد: عبارة عن أول معاصيه وكفره وآخرها أي نكل بالجميع، و{نكال} نصب على المصدر، والعامل فيه على رأي سيبويه أخذ لأنه في معناه، وعلى رأي أبي العباس المبرد فعل مضمر من لفظ {نكال}، ثم وقف تعالى على موضع العبرة بحال فرعون وتعذيبه، وفي الكلام وعيد للكفار المخاطبين برسالة محمد عليه السلام، ثم وقفهم مخاطبة منه تعالى للعالم والمقصد الكفار، ويحتمل أن يكون المعنى: قل لهم يا محمد {أأنتم أشد خلقاً} الآية، وفي هذه الآية دليل على أن بعث الأجساد من القبور لا يتعذر على قدرة الله تعالى، والسمك: الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، وقوله تعالى: {فسواها} يحتمل أن يريد جعلها ملساء مستوية ليس فيها مرتفع ومنخفض، ويحتمل أن يكون عبارة عن إتقان خلقها ولا يقصد معنى إملاس سطحها والله تعالى أعلم كيف هي {وأغطش} معناه: أظلم، والأغطش الأعمى ومنه قول الشاعر [الأعشى]: [المتقارب]
نحرت لهم موهناً ناقتي *** وليلُهم مدلهمٌّ عطش
ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها، وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} متوجه على أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقرأ مجاهد: و{الأرض مع ذلك}، وقال قوم: إن {بعد ذلك} معناه مع ذلك، والذي قلناه تترتب عليه آيات القرآن كلها، ونسب الماء والمرعى إلى الأرض حيث هما يظهران فيها، ودحو الأرض بشطها ومنه قول أمية بن أبي الصلت: [الكامل]
دار دحاها ثم أسكننا بها *** وأقام بالأخرى التي هي أمجد
وقرأ الجمهور: {والأرضَ} نصباً، وقرأ الحسن وعيسى، و{الأرضُ} بالرفع، وقرأ الجمهور: و{الجبالَ} نصباً، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {والجبالُ} رفعاً، و{أرساها} معناه: أثبتها، وجمع هذه النعم إذا تدبرت فهي متاع للناس، والأنعام يتمتعون فيها وبها، وقرأ الجمهور: {متاعاً} بالنصب، وقرأ ابن أبي عبلة: {متاعٌ} بالرفع، و{الطامة الكبرى} هي القيامة، قاله ابن عباس والضحاك، وقال الحسن وابن عباس أيضاً: النفخة الثانية، وقوله: {ما سعى} معناه: ما عمل من سائر عمله، ويتذكر ذلك بما يرى جزائه، وقرأ جمهور الناس: {وبُرِّزت} بضم الباء وشد الراء المكسورة، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة: {وبَرَزت} بفتح الباء والراء، وقرأ جمهور الناس {لمن يرى} بالياء أي لمن يبصر ويحصل، وقرأ عكرمة ومالك بن دينار وعائشة: {لمن ترى} بالتاء أي تراه أنت، فالإشارة إلى كفار مكة أو أشارة إلى الناس، والمقصد كفار مكة، ويحتمل أن يكون المعنى: لمن تراه الجحيم كما قال تعالى: {إذا رأتهم من مكان بعيد} [الفرقان: 12] وقرأ ابن مسعود: {لمن رأى} على فعل ماض.

1 | 2